سورة الصافات - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ} بإناء فيه خمر أو خمر كقوله:
وَكَأْسٌ شُرِبَتْ عَلَى لَذَّةٍ ***
{مّن مَّعِينٍ} من شراب معين أو نهر معين أي ظاهر للعيون، أو خارج من العيون وهو صفة للماء من عان الماء إذا نبع. وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء، أو للإِشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة، وكذلك قوله: {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ للشاربين} وهما أيضاً صفتان لكأس، ووصفها ب {لَذَّةٍ} إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل قال:
وَلَذّ كَطَعْم الصَرخديّ تَرَكْتُه *** بِأَرْضِ العِدَا مِنْ خَشْيَةِ الحَدَثَانِ
{لاَ فِيهَا غَوْلٌ} غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول. {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله، أفرده بالنفي وعطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي وتابعهما عاصم في (الواقعة) من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه، وأصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه كله ونزحت الركية حتى نزفتها.
{وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} قصرن أبصارهن على أزواجهن. {عِينٌ} نجل العيون جمع عيناء.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} شبههن ببيض النعام المصون عن الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان.
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُوَنَ} معطوف على {يُطَافُ عَلَيْهِمْ} أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال:
وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إِلا *** أَحَادِيثُ الكِرَامِ عَلَى المُدَامِ
والتعبير عنه بالماضي للتأكيد فيه فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل، وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا.
{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} في مكالمتهم. {إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ} جليس في الدنيا...
{يِقُولُ أَءنَّكَ لَمِنَ المصدقين} يوبخني على التصديق بالبعث، وقرئ بتشديد الصاد من التصدق.
{أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءِنَّا لَمَدِينُونَ} لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء.
{قَالَ} أي ذلك القائل. {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين، وقيل القائل هو الله سبحانه وتعالى أو بعض الملائكة يقول لهم: هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم؟ وعن أبي عمرو {مُّطَّلِعُونَ فَأَطَّلِعَ} بالتخفيف وكسر النون وضم الألف على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه من حيث أن أدب المجالسة يمنع الاستبداد به، أو خاطب الملائكة على وضع المتصل موضع المنفصل كقوله:
هُم الآمِرُونَ الخَيْرَ وَالفَاعِلُونَهُ ***
أو شبه اسم الفاعل بالمضارع.


{فَأَطَّلِعَ} عليهم. {فَرَءاهُ} أي قرينه. {فِى سَوَاء الجحيم} وسطه.
{قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} لتهلكني بالإِغواء، وقرئ: {لتغوين} و{إِن} هي المخففة واللام هي الفارقة.
{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبّي} بالهداية والعصمة. {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} معك فيها.
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ} عطف على محذوف أي أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين، أي بمن شأنه الموت وقرئ: {بمائتين}.
{إِلأ مَوْتَتَنَا الأولى} التي كانت في الدنيا وهي متناولة لما في القبر بعد الإِحياء للسؤال، ونصبها على المصدر من اسم الفاعل. وقيل على الاستثناء المنقطع. {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} كالكفار، وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعاً له أو معاودة إلى مكالمة جلسائه تحدثاً بنعمة الله، أو تبجحاً بها وتعجباً منها وتعريضاً للقرين بالتوبيخ.
{إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم} يحتمل أن يكون من كلامهم وأن يكون كلام الله سبحانه وتعالى لتقرير قوله والإِشارة إلى ما هم عليه من النعمة والخلود والأمن من العذاب.
{لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون} أي لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام، وهو أيضاً يحتمل الأمرين.
{أذلك خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} شجرة ثمرها نزل أهل النار، وانتصاب {نُزُلاً} على التمييز أو الحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقال للنازل ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام، وكذلك الزقوم لأهل النار، وهو: اسم شجرة صغيرة الورق ذفر مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة.
{إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} محنة وعذاباً لهم في الآخرة، أو ابتلاء في الدنيا فإنهم لما سمعوا أنها في النار قالوا كيف ذلك والنار تحرق الشجر، ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويلتذ بها فهو أقدر على خلق الشجرة في النار وحفظه من الإِحراق.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الجحيم} منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
{طَلْعِهَا} حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل، أو الطلوع من الشجر. {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} في تناهي القبح والهول، وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك. وقيل: {الشياطين} حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف، ولعلها سميت بها لذلك.
{فَإِنَّهُمْ لأكِلُونَ مِنْهَا} من الشجرة أو من طلعها. {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} لغلبة الجوع أو الجبر على أكلها.
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم، ويجوز أن يكون ثم لما في شرابهم من مزيد الكراهة والبشاعة. {لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} لشراباً من غساق، أو صديد مشوباً بماء حميم يقطع أمعاءهم، وقرئ بالضم وهو اسم ما يشاب به والأول مصدر سمي به.
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} مصيرهم. {لإِلَى الجحيم} إلى دركاتها أو إلى نفسها، فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم، وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن} يوردون إليه كما تورد الإِبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم، ويؤيده أنه قرئ: {ثم إن منقلبهم}.
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءَابَاءهُمْ ضَالّينَ فَهُمْ على ءَاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال، والإِهراع: الإِسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإِسراع على {آثارهم}، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث.
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} قبل قومك. {أَكْثَرُ الأولين}.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} أنبياء أنذروهم من العواقب.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} من الشدة والفظاعة.
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله، وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضاً سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم.
{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها، أي ولقد دعانا حين أيس من قومه. {فَلَنِعْمَ المجيبون} أي فأجبناه أحسن الإِجابة فوالله لنعم المجيبون نحن، فحذف منها ما حذف لقيام ما يدل عليه.
{ونجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} من الغرق أو أذى قومه.
{وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} إذ هلك من عداهم وبقوا متناسلين إلى يوم القيامة، إذ روي أنه مات كل من كان معه في السفينة غير بنيه وأزواجهم.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأخرين} من الأمم.
{سلام على نُوحٍ} هذا الكلام جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليماً. وقيل هو سلام من الله عليه ومفعول {تَّرَكْنَا} محذوف مثل الثناء. {فِى العالمين} متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعاً.


{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليل لما فعل بنوح من التكرمة بأنه مجازاة له على إحسانه.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تعليل لإِحسانه بالإِيمان إظهاراً لجلالة قدره وأصالة أمره.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخرين} يعني كفار قومه.
{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} ممن شايعه في الإِيمان وأصول الشريعة. {لإبراهيم} ولا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالباً، وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة، وكان بينهما نبيان هود وصالح عليهما الصلاة والسلام.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ} متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة أو بمحذوف هو اذكر. {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من آفات القلوب أو من العلائق خالص لله أو مخلص له، وقيل حزين من السليم بمعنى اللديغ. ومعنى المجيء به ربه: إخلاصه له كأنه جاء به متحفاً إياه.
{إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} بدل من الأولى أو ظرف ل {جَاء} أو {سَلِيمٍ}.
{أَئِفْكاً ءَالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} أي تريدون آلهة دون الله إفكاً مقدم المفعول للعناية ثم المفعول له لأن الأهم أن يقرر أنهم على الباطل ومبنى أمرهم على الافك، ويجوز أن يكون {إِفْكاً} مفعولاً به و{ءَالِهَةً} بدل منه على أنها إفك في نفسها للمبالغة، أو المراد بها عبادتها بحذف المضاف أو حالاً بمعنى إفكين.
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ العالمين} بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته، أو أشركتم به غيره أو أمنتم من عذابه، والمعنى إنكار ما يوجب ظناً فضلاً عن قطع يصد عن عبادته، أو يجوز الإِشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإِلزام وهو كالحجة على ما قبله.
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النجوم} فرأى مواقعها واتصالاتها، أو في علمها أو في كتابها، ولا منع منه مع أن قصده إيهامهم وذلك حين سألوه أن يعبد معهم.
{فَقَالَ إِنّي سَقِيمٌ} أراهم أنه استدل بها لأنهم كانوا منجمين على أنه مشارف للسقم لئلا يخرجوه إلى معبدهم، فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى، أو أراد إني سقيم القلب لكفركم، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجاً قل من يخلو منه أو بصدد الموت ومنه المثل: كفى بالسلامة داء، وقول لبيد:
فَدَعَوْتُ رَبِّي بِالسَّلاَمَةِ جَاهِدا *** لِيُصحّنِي فَإِذَا السَّلاَمَةُ دَاءُ
{فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} هاربين مخافة العدوى.
{فَرَاغَ إلى ءالِهَتِهِمْ} فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة. {فَقَالَ} أي للأصنام استهزاء. {أَلا تَأْكُلُونَ} يعني الطعام الذي كان عندهم.
{مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} بجوابي.
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} فمال عليهم مستخفياً، والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه. {ضَرْباً باليمين} مصدر{لراغ عليهم} لأنه في معنى ضربهم، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل، وقيل: {باليمين} بسبب الحلف وهو قوله: {تالله لأكِيدَنَّ أصنامكم} {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ} إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله: {مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا} الآية. {يَزِفُّونَ} يسرعون من زفيف النعام. وقرى حمزة على بناء المفعول من أزفه أي يحملون على الزفيف. وقرئ: {يَزِفُّونَ} أي يزف بعضهم بعضاً، و{يَزِفُّونَ} من وزف يزف إذا أسرع و{يَزِفُّونَ} من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضاً لتسارعهم إليه {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} ما تنحتونه من الأصنام.

1 | 2 | 3 | 4